أكاذيب الأشخاص السلبيين

في عالم العلاقات الاجتماعية والتفاعلات اليومية، لا يخلو الأمر من مقابلة أشخاص يحملون نظرة سلبية تجاه الحياة. يتبنون مواقف تشاؤمية، ويميلون إلى التقليل من شأن الإنجازات، وإشاعة الشك والخوف، وإحباط الآخرين بشكل ممنهج، سواء بقصد أو بدونه. هؤلاء الأشخاص لا يتوقفون فقط عند حدود مشاعرهم السلبية، بل يتعمدون بثها ونشرها من خلال عبارات تحمل طابعًا سلبيًا مموهًا، تلبس أحيانًا ثوب “النصيحة” أو “الواقعية”. لكن في حقيقتها، هذه العبارات ما هي إلا أكاذيب خطيرة قد تزرع الشك، وتمنع النمو، وتضعف الثقة بالنفس، وتؤخر مسيرة النجاح.

في هذا المقال المطول، نسلط الضوء على أبرز 8 أكاذيب يرددها الأشخاص السلبيون، مع تحليل معمّق لكل واحدة منها، وبيان آثارها النفسية والاجتماعية، وكيفية مواجهتها وتفكيكها من منظور علمي ومعرفي.

1. “لا فائدة من المحاولة”

هذه العبارة هي من أكثر الأكاذيب رواجًا بين الأشخاص السلبيين، وهي ترتكز على منطق فاسد يقضي بأن الفشل في السابق يعني حتمية الفشل في المستقبل. هذه النظرة تنمّ عن جمود فكري وتجاهل لحقيقة ثابتة في جميع مجالات الحياة: التقدم لا يأتي إلا عبر التجربة والخطأ، والتعلم من الفشل هو أحد أعمدة النجاح.

الأشخاص السلبيون يستخدمون هذه العبارة لتبرير استسلامهم، ومحاولة جرّ الآخرين إلى دائرة العجز التي يعيشون فيها. لكنها تتناقض تمامًا مع المبادئ التي يقوم عليها علم النفس الإيجابي، والذي يسلط الضوء على “عقلية النمو” (Growth Mindset)، التي تؤكد أن المهارات تُكتسب، والنتائج تتحسن بالممارسة والاصرار.

2. “الناس لا يتغيرون”

عبارة توحي بالثبات المطلق في الطباع والسلوك، وهي بذلك تعكس تصورًا خاطئًا عن الطبيعة البشرية. علم النفس العصبي وعلم النفس السلوكي أظهرا بما لا يدع مجالاً للشك أن الإنسان يمتلك قدرة مرنة على التكيف وإعادة تشكيل سلوكياته وأفكاره، بل وحتى أنماط نشاط دماغه.

الأشخاص السلبيون يستخدمون هذه العبارة غالبًا لتبرير رفضهم للعلاقات أو الصداقات، أو للتهرب من مسؤوليات تطوير الذات. لكن التغيير يبدأ من الداخل، ومن يعتقد أن لا أحد يتغير هو ببساطة لا يرغب في التغيير ولا يؤمن بإمكانية النهوض.

3. “النجاح حكر على المحظوظين”

ترويج لفكرة أن النجاح مرتبط بالحظ فقط، وأن الجهد والعمل لا قيمة لهما، هو أحد أكثر المعتقدات إحباطًا للهمم. هذه الكذبة تتجاهل ملايين قصص النجاح التي بُنيت على الإصرار والتخطيط والتعلم المستمر، لا على المصادفة أو الحظ المجرد.

أبحاث التنمية الذاتية تشير إلى أن الحظ قد يلعب دورًا محدودًا، لكنه لا يصنع الإنجاز وحده. بل إن الأفراد الذين ينسبون إنجازاتهم للحظ غالبًا ما يقللون من قيمة كفاحهم الحقيقي، مما يضعف ثقتهم بأنفسهم على المدى الطويل.

4. “الوقت فاتك”

عبارة تنطوي على قدر هائل من الاستسلام واليأس. يستخدمها الأشخاص السلبيون غالبًا لإحباط من يحاول تغيير مساره المهني، أو تعلم مهارة جديدة، أو البدء في مشروع. الحقيقة أن التاريخ يعج بأمثلة لأشخاص بلغوا قمة النجاح في أعمار متأخرة.

علم النفس الإيجابي يعزز مفهوم “المرونة النفسية” (Resilience)، وهي القدرة على إعادة البناء والبدء من جديد في أي مرحلة عمرية. الوقت لا ينفد إلا عندما نستسلم، وليس عندما نقرر أن نبدأ.

5. “كل شيء ضدك”

كذبة تُضخم من الشعور بالاضطهاد، وتضفي طابعًا شخصيًا على المصاعب العامة. الأشخاص السلبيون يميلون إلى تبني ما يُعرف في علم النفس بـ”عقلية الضحية” (Victim Mentality)، وهي حالة يعتقد فيها الفرد أن الظروف تعمل ضده بشكل دائم، وأن لا سبيل للنجاة.

هذه النظرة تقود إلى السلبية المطلقة، حيث يُصبح الإنسان عاجزًا عن التفاعل البناء مع محيطه. الحقيقة أن الحياة مليئة بالتحديات، لكنها لا تتآمر على أحد. الفرق الحقيقي يكمن في طريقة التفكير والتعامل مع الصعوبات.

6. “الناس أنانيون ولا يمكن الوثوق بهم”

كذبة تُغذي العزلة الاجتماعية، وتُشجع على الانطواء والابتعاد عن بناء علاقات صحية. هذه النظرة تعكس غالبًا تجارب شخصية سلبية تم تعميمها على الجميع. وهي مناقضة لنتائج أبحاث علم النفس الاجتماعي التي تؤكد أن الثقة الاجتماعية هي من أهم عوامل السعادة والرفاهية النفسية.

الوثوق بالآخرين لا يعني السذاجة، بل هو جزء من تكوين الروابط الإنسانية، التي تلعب دورًا حيويًا في نمو الفرد واستقراره. التعامل مع الآخرين بفطنة لا يتناقض مع بناء علاقات قائمة على الاحترام المتبادل.

7. “أنت لا تملك ما يلزم”

واحدة من أخطر العبارات التي تُزرع في ذهن الإنسان منذ طفولته، سواء من قبل الأشخاص السلبيين في الأسرة أو المحيط أو المدرسة. هذه العبارة تبني ما يُعرف في علم النفس بـ”الهوية المحدودة” (Limiting Identity)، وهي فكرة مفادها أن الفرد لا يمتلك الكفاءة الكافية لتحقيق النجاح.

لكن الدراسات الحديثة تؤكد أن الكفاءة لا تُولد مع الإنسان، بل تُبنى تدريجيًا من خلال التجربة، والتعليم، والتوجيه الصحيح. عندما يردد الشخص السلبي هذه العبارة، فهو في الواقع يعكس عدم إيمانه بنفسه، ويحاول إسقاطه على الآخرين.

8. “لا أحد يهتم بما تفعل”

العبارة تحمل طابعًا قاسيًا جدًا، وتغذي الشعور بانعدام القيمة. وهي تعكس فقدان الشخص السلبي للإحساس بالانتماء والتقدير. في علم النفس الإنساني، يُعتبر الشعور بالتقدير والاهتمام من الحاجات النفسية الأساسية التي يُبنى عليها الاستقرار النفسي.

في الواقع، كل إنسان يترك أثرًا، حتى لو لم يكن واضحًا. أي محاولة، أي مجهود، حتى أبسط خطوة نحو الأفضل، تُحدث فرقًا، سواء في الحياة الشخصية أو في حياة الآخرين. ومن يتجاهل قيمة ما يفعله هو من يختار أن يعيش في هامش الحياة.

الجدول: مقارنة بين الكذبة السلبية والحقيقة العلمية

الخلاصة

الرسائل التي ينشرها الأشخاص السلبيون، وإن بدت في ظاهرها عبارات عادية، إلا أنها تحمل مضامين مدمرة على المدى البعيد، خصوصًا إذا ترسخت في عقلية الإنسان. الواجب هو التعرف على هذه الأكاذيب، وتفنيدها، واستبدالها بمفاهيم داعمة، حقيقية، ومحفزة.

في مواجهة السلبية، لا تكفي القوة العقلية وحدها، بل لا بد من دعم بيئة إيجابية، والابتعاد عن مصادر الإحباط، والتمسك بالقيم التي تضمن النمو والتقدم. فالعقل البشري، كما أثبتت العلوم، يتشكل بما يُغذى به. وإذا كان السلب يؤخر، فإن الإيجاب يبني ويمكّن.

المراجع:

1. Dweck, Carol. Mindset: The New Psychology of Success. Ballantine Books, 2006.

2. Seligman, Martin. Learned Optimism. Vintage, 2006.

3. Brown, Brené. The Gifts of Imperfection. Hazelden, 2010.

4. Peterson, Christopher. A Primer in Positive Psychology. Oxford University Press, 2006.

5. Covey, Stephen R. The 7 Habits of Highly Effective People. Free Press, 1989.